فصل: (فرع: اشترى زرعًا واشترط حصاده)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: بيع المجهول]

وإن قال: بعتك هذا العبد وعبدًا آخر مجهولاً بألف.. بطل البيع في المجهول، كما لو باعه منفردًا، وهل يبطل البيع في المعلوم؟
إن قلنا: إن الصفقة لا تفرق.. بطل فيه أيضًا.
وإن قلنا: إن الصفقة تفرق، فإن اختار المشتري فسخ البيع في المعلوم.. فلا كلام. وإن اختار إمساكه، فإن قلنا: يمسكه بجميع الألف.. صح. وإن قلنا: يمسكه بالحصة.. بطل البيع أيضا فيه؛ لأنه لا يعلم كم قيمة المجهول ليقسط الثمن عليهما.

.[فرع: تلف بعض المبيع قبل القبض]

وإن اشترى من رجل عبدين، فتلف أحدهما قبل أن يقبضهما، وبقي الآخر.. فإن البيع ينفسخ في التالف؛ لأنه تعذر التسليم المستحق فيه بالبيع، وهل يبطل البيع في الباقي منهما؟ فيه طريقان:
الأول: من أصحابنا من قال: فيه قولان، كما لو باع عبده وعبد غيره؛ لأن الفساد الطارئ بعد العقد، كالفساد المقارن للعقد، بدليل: أن العيب الحادث في يد البائع قبل القبض، كالعيب الموجود في المبيع حال العقد.
والثاني: منهم من قال: لا يبطل البيع في الباقي، قولاً واحدًا، لأنّا إنما أبطلنا البيع في عبده إذا باعه مع عبد غيره؛ للجمع بين الحلال والحرام، أو لجهالة ثمن عبده، وهاهنا لا يوجد واحد منهما.
وإن اشترى من رجلٍ عبدين، فقبض أحدهما، ثم تلف الآخر قبل أن يقبضه.. ففيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\227]:
أحدهما: أنها كالأولى على طريقين، كما لو لم يقبض واحدًا منهما.
والثاني: لا يبطل البيع في الباقي، قولاً واحدًا؛ لأنه قد تأكد بالقبض.
وإن اشترى عبدين، فأبق أحدهما قبل القبض.. لم يبطل البيع في الباقي، قولاً واحدًا؛ لأن البيع لم يبطل في الآبق.
إذا ثبت هذا: فاشترى عبدين، وتلف أحدهما قبل القبض، فإن قلنا: إن البيع يبطل في الباقي من العبدين.. فلا كلام.
وإن قلنا: لا يبطل فيه.. ثبت للمشتري الخيار؛ لأن الصفقة تفرقت عليه، فإن اختار فسخ البيع.. فلا كلام، وإن اختار إمساك الباقي.. فبكم يمسكه؟ فيه طريقان:
أحدهما ـ وهو قول الشيخين: أبي حامد وأبي إسحاق الشيرازي ـ: أنه يمسك الباقي بحصته من الثمن، قولاً واحدًا؛ لأن الثمن هاهنا قابل المبيعين في الابتداء وصحّ فيهما، فإذا تلف أحدهما سقط ما يقابله لا غير.
والطريق الثاني ـ وهو قول القاضيين: أبي حامد وأبي الطيب، واختيار ابن الصبّاغ ـ: أنها على قولين؛ لأن العقد إذا انفسخ في التالف.. بقي العقد في الباقي خاصّة فكان بمنزلة ما لو كان ذلك في الابتداء فاسدًا في أحدهما.
قال ابن الصبّاغ: وما قال الأول يلزم عليه إذا باع مرهونًا وغير مرهون، أو ماله ومال غيره.. فإن في كل واحد منهما يصح أن يقابله عوض، وإنما لم يقابله؛ لتعلق حق الغير به، وهاهنا وإن قابله فقد زال ذلك بالفسخ بالموت، فجرى مجرى المرهون.
فإن قلنا: يأخذه بجميع الثمن.. فلا خيار للبائع.
وإن قلنا: يأخذه بالحصة.. فهل يثبت للبائع الخيار عنده؟ فيه وجهان، وقد مضى توجيههما.

.[مسألة: الجمع بين بيع وإجارة]

وإن جمع بين البيع والإجارة، بأن يقول: أجرتك داري هذه شهرًا، وبعتك عبدي هذا بألف، فقال: قبلت.. ففيه قولان:
أحدهما: يبطلان؛ لأن أحكام هذين العقدين تختلف، فالبيع يدخله الخيار، ويستقر الملك فيه بالقبض، والإجارة لا يدخلها خيار الثلاث، ولا تستقر عليه الأجرة بقبض العين.. فبطلا.
والثاني: لا يبطلان؛ لأن كل واحد منهما لو أفرده بالعقد.. صح، فإذا جمع بينهما.. فليس فيه أكثر من اختلاف الأحكام، فلم يمنع صحة العقد، كما لو باع سيفًا وشقصًا من أرض بألف.
فعلى هذا: يقوم العبد وتقوّم منفعة الدار شهرًا، وتقسم الألف عليهما على قدر قيمتيهما.
فأمّا إذا قال: بعتك داري، وأجّرتكها شهرًا بألف.. لم يصحّ واحدٌ منهما، قولاً واحدًا؛ لأنَّ بنفس عقد البيع يملك المنفعة، فإذا اشترط أن يملك المنفعة بعوض.. بطل العقد.
وإن قال: بعتك هذه الدار بمائة على أن أؤجرك الأخرى.. بطل البيع، قولاً واحدًا؛ لأن هذا في معنى بيعتين في بيعة.
وإن قال: أجرتك هذه الدار بمائة، وبعتك الأخرى بعشرة، فقال المشتري: قبلت.. قال الشيخ أبو حامد: صح العقدان جميعًا؛ لأنه لا تعلق لأحدهما بالآخر.
وإن جمع بين البيع والصرف، بأن يقول: بعتك هذا الثوب وهذه الدنانير بهذه الدراهم.. ففيه قولان، ووجههما ما ذكرناه في البيع والإجارة.
وإن قال: بعتك هذا الثوب وهذه الدنانير بدنانير أخرى.. بطل البيع، قولاً واحدًا.
وإن جمع بين البيع والنكاح، قال الشيخ أبو حامد: وهو أن يقول: زوجتك ابنتي، وبعتك عبدها بألف، وهي صغيرة أو كبيرة، ووكلته على البيع، فقال: قبلت: أو قال: زوجتك أمتي وبعتك عبدي بألف، وهو ممن يحل له نكاح الأمة، فقال: قبلت.. ففيه قولان:
أحدهما: يصح البيع والمهر، ويقسم الثمن على قدر قيمة العبد ومهر مثلها، وهذا يمضي في الصغيرة إذا كان ما يخص المهر قدر مهر المثل أو أكثر منه، فأمّا إذا كان أقل من مهر المثل: فلا يصح المهر، قولا واحدًا.
والثاني: يبطل البيع والصداق؛ لاختلاف أحكامهما، وأمّا النكاح: فلا يبطل، قولاً واحدًا؛ لأنه لا يفسد بفساد العوض عندنا.
وأما إذا جمع بين البيع والكتابة؛ بأن يقول لعبده: بعتك هذا العبد، وكاتبتك على نجمين بألف.. فإن البيع لا يصح، قولاً واحدًا؛ لأنه لا يصح أن يبيع السيد من عبده، وفي الكتابة قولان، بناءً على القولين في تفريق الصفقة.
وإن باع عبدين بألف، وشرط الخيار في أحدهما دون الآخر، فإن لم يبين حصة كل واحد منهما من الألف.. ففيه قولان، كما لو جمع بين البيع والإجارة، وإن بين حصة كل واحد من العبدين من الألف.. ففيه طريقان:
الأول: قال أبو العباس بن القاص: يصح، قولاً واحدًا؛ لأن علة فساد البيع الجهالة بالثمن لو احتيج إلى توزيع الثمن، فإذا بين حصة كل واحدٍ منهما.. انتفت الجهالة.
والثاني: قال الشيخ أبو حامد: هي على قولين.
وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما يدل على هذا، فإنه قال: (لو أصدقها ألفًا على أن ترد عليه عبدًا معينًا قيمته ألف، ومهر مثلها ألفٌ.. كان فيها قولان).
قال: وكذلك لو بيّنا حصة كل واحد منهما، فإنها على قولين.

.[فرع: اشترى زرعًا واشترط حصاده]

ولو اشترى زرعًا، واشترط على البائع حصاده.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (كان الشراء فاسدًا). واختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: هي على قولين، كما لو جمع بين البيع والإجارة، وإنما ذكر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أحد القولين. وهذا اختيار ابن الصبّاغ.
ومنهم من قال: يبطلان، قولاً واحدًا، لأنه استأجره على حصاده الزرع قبل استقرار ملكه على الزرع، فلم يصح، كما لو استأجر رجلاً ليحصد له زرعًا لا يملكه.
ومنهم من قال: إنما لم يصح؛ لأنه اشترط تأخير تسليم الزرع؛ لأنه إذا شرط حصده على البائع.. ففيه تأخير التسليم إلى أن يحصد، فبطل العقد.
ومنهم من قال: إنما يبطل؛ لأن قطعه يجب على المشتري، فإذا شرطه على البائع.. فقد شرط شرطًا ينافي مقتضى العقد، فأبطله. هذا ترتيب الشيخ أبي حامد.
وقال أبو علي السنجي: إذا اشترى منه زرعًا واستأجره على حصاده بألف، أو اشترى منه لبنًا واستأجره على طبخه بدرهم، أو اشترى منه حطبًا على ظهر دابّة واستأجره على حمله إلى بيته بدرهم.. ففيه ثلاثة طرق:
أحدها: أن الكل على قولين.
والثاني: أن جميع هذه العقود باطل، قولاً واحدًا. وهذان الطريقان حكاهما الشيخ أبو حامد.
والطريق الثالث: أن الإجارة باطلة في هذه المسائل، قولاً واحدًا، وفي البيع قولان، بناء على القولين في تفريق الصفقة.

.[مسألة: البيع بأقل من القيمة عند الموت]

إذا باع في مرض موته شيئًا بأقل من قيمته، فإنّ القدر الذي نقصه عن القيمة يكون وصية تعتبر من ثلث تركته، وهكذا إذا اشترى في مرض موته شيئًا بأكثر من قيمته، فإن الزيادة وصية.
إذا ثبت هذا: فإن باع في مرض موته عبدًا يساوي ثلاثين درهمًا بعشرة دراهم، ومات لا يملك غير ذلك، ولم يجز الورثة محاباته.. فبكم يصح البيع من العبد؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ وهو ظاهر كلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال ابن الحداد، وأبو العبّاس بن سريج ـ: أن البيع يصح في ثلثي العبد وقيمته عشرون، بجميع الثمن وهو عشرةٌ، ويبطل البيع في ثلث العبد وهو عشرة؛ لأنه اجتمع للمشتري معاوضة ومحاباة، فوجب أن يجمع له بينهما، فيكون ثلث العبد مبيعا بالعشرة وقيمته عشرة، ويكون له ثلث العبد وصية وقيمته عشرة، ويبقى مع الورثة ثلث العبد وقيمته عشرة، وجميع الثمن وهو عشرة، فذلك مثلا المحاباة.
والوجه الثاني ـ وهو قول ابن القاص، وابن اللَّبّان ـ: أن المشتري لا بد أن يرجع إليه شيء من الثمن ويحصل له مع المحاباة؛ لأن العقد وقع على جميع العبد بجميع العشرة، فإذا رجع إلى ورثة البائع بعض العبد.. وجب أن يرجع إلى المشتري ما يقابل ذلك من الثمن. وفي كيفية معرفة القدر الذي صح فيه البيع من العبد على هذا طرق في الحساب منها:
أن يقال: المحاباة وقعت بثلثي العبد وقيمته عشرون، والثلث الذي تنفذ فيه المحاباة عشرة، وذلك نصف المحاباة، فخذ سهم تلك النسبة وهو النصف، وقل: ينفذ البيع في نصف العبد، وقيمته خمسة عشر، بنصف الثمن وهو خمسة، فيجعل كأن المشتري اشترى سدس العبد وقيمته خمسة بخمسة، وبقي له ثلث العبد وقيمته عشرة وصية له، ويبقى مع الورثة نصف العبد وقيمته خمسة عشر، ومن الثمن خمسة، وذلك عشرون، وهما مثلا المحاباة، وقد قابل جميع الثمن جميع أجزاء العبد.
وفيه طريق آخر من الحساب: وهو أنك تنزع قدر مال الصحيح وهو عشرةٌ، من مال المريض وهو ثلاثون، ويبقى عشرون، فاضربها في ثلاثة وهو مخرج الثلث، فيكون ستين، فانسب جميع مال المريض وهو ثلاثون، ممّا اجتمع لك من الضرب، فتجد ذلك نصفه، فخذ سهم تلك النسبة وهو النصف، ويقال: ينفذ البيع فيه بما يقابله من الثمن وأجر البيع فيه بمثله من الثمن.
وفيه طريق آخر من الجبر والمقابلة: وهو أنك تلقي من مال المريض ما يقابل الثمن وهو عشرة، ثم تعطي المشتري مما بقي شيئًا بالوصية، وتدفع من الشيء ثلثه لأجل العشرة؛ لأن العشرة من الثلاثين ثلثها، فتبقى الوصية له في ثلثي شيء، ويبقى مع الورثة عشرون إلا ثلثي شيء يعدل مثلي الوصية، وهو شيء وثلث شيء، فإذا جبرت العشرين بثلثي الشيء الذي يقضى به، وزدت ذلك على الشيء والثلث المقابلين.. كانت العشرون تعدل شيئين كاملين، الشيء الواحد نصفها، فخذ سهم تلك النسبة وهو النصف، وأجر البيع فيه من العبد بمثله من الثمن، وإن شئت.. فاقسم الثلاثين على الشيئين، فنصيب كل شيء نصفها، وذلك خمسة عشر، وهو نصفها، فأجر البيع في نصف العبد بنصف الثمن.
وإن باع المريض في مرض موته كر حنطة قيمته ثلاثون درهمًا، بكر شعير قيمته عشرةٌ، ومات ولا مال له غيره ولم يجز الورثة.. فهي على الوجهين في العبد.
وإن باع المريض في مرض موته كر حنطة جيّدًا يساوي ثلاثين درهمًا، بكر حنطة رديء يساوي عشرة، ومات ولا مال له غيره، ولم تجز الورثة.. فلا يجوز أن يقال: يصح البيع في ثلثي الجيد بجميع الرديء، كما قلنا في العبد في أحد الوجهين؛ لأن ذلك ربا، فيبطل هذا الوجه هاهنا، ولا يصح فيه إلا الوجه الثاني، فيصح البيع في النصف الجيد بنصف الرديء على ما ذكرناه.
إذا تقرر هذا: فإنّ المشتري يثبت له الخيار في هذه المسائل في العبد والكر على الوجهين؛ لأن الصفقة تفرقت عليه، وأمّا ورثة البائع: فلا يثبت لهم الخيار وإن انتقضت عليهم الصفقة في الثمن؛ لأن المريض قصد إرفاق المشتري، فلو أثبتنا لهم الخيار.. لبطل مقصود المريض؛ ولأن تنقيص الثمن حصل باختيارهم، فإنهم لو أجازوا البيع.. لما حصل عليهم التنقيص، ولا يجوز أن يثبت لهم الخيار مرة أخرى.

.[فرع: زيادة قيمة العبد قبل موت سيّده المريض]

وإن باع المريض من مرض موته عبدًا قيمته مائة بخمسين، فزادت قيمته قبل موت سيده حتى بلغت مائتين، ثم مات السيد، ولا يملك غيره، ولم يجز الورثة البيع:
فعلى الوجه الأول ـ وهو ظاهر كلام الشافعي: يجوز البيع في نصف العبد بخمسين، وهو قيمته يوم الشراء، ويبقى نصفه وقيمته مائة يوم مات سيده، فيضم إليه الثمن وهو خمسون، فيكون للمشتري من ذلك بالمحاباة شيء وصية، وله بفضل القيمة شيء من غير وصية، فتبقى مع الورثة مائة وخمسون إلا شيئين تعدل مثلي الوصية وهو شيئان، فإذا جبرت.. عدلت المائة والخمسون أربعة أشياء، فإذا قسّمتها على أربعة.. خص كل شيء منها سبعة وثلاثون درهمًا ونصف، وهو الجائز بالمحاباة، وذلك ثلاثة أثمان العبد يوم الشراء، وهو المعتبر من الثلث، إلا أن قيمته يوم مات السيد ضعف ذلك، ولا تحسب عليه زيادة قيمته؛ لأنه من غير الثلث، فإذا ضممت ثلاثة أثمان العبد إلى نصفه للمشتري.. بقي في أيدي ورثة البائع ثمن العبد يوم مات البائع، وقيمته خمسة وعشرون، وجميع الثمن وهو خمسون، فذلك خمسة وسبعون، وذلك مثلا قيمة ثلاثة أثمان العبد يوم الشراء.
وعلى الوجه الثاني ـ وهو قول ابن القاص، وابن اللَّبان ـ: يجوز البيع في شيء من العبد بنصف شيء من الثمن، فتكون المحاباة بنصف شيء، ويبطل البيع في عبد إلا شيئًا، وقيمته يوم مات السيد مائتان إلا شيئين، فيضم إليه نصف شيء من الثمن، فيبقى مع الورثة مائتان إلا شيئًا ونصف شيء، تعدل شيئًا كاملاً، وهو مثلا المحاباة، فإذا جبرت المائتين بما نقص منهما، وزدت ذلك على الشيء المقابل لهما.. عدلت المائتان شيئين ونصفا، فأسقط كل شيء نصفين، ليكون النصف معهما، فيكون خمسة أنصاف، فإذا قسمت المائتين على الأنصاف.. خص كل نصف أربعون، فيعلم: أن الشيء الكامل ثمانون، وهو أربعة أخماس العبد يوم الشراء، فيصح البيع فيه بمثل تلك النسبة من الثمن، وهو أربعون، فيعلم: أن المحاباة نصف شيء، وهو أربعون، ويبقى مع الورثة خمس العبد وقيمته أربعون يوم مات السيد، ومن الثمن أربعون، وهو مثلا المحاباة، وسواءٌ زادت قيمته بالسعر، أو بزيادة البدن، أو بتعلم صنعة.
فإن لم تزد قيمة العبد، ولكن نقصت في يد المشتري، فصار يساوي خمسين، ثم مات المريض:
فحسابه على ظاهر كلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقال: للمشتري نصف العبد بالخمسين، ويضم نصفه وقيمته: خمسة وعشرون إلى الثمن، فيصير خمسة وسبعين، للمشتري منها شيء محاباة، يحتسب عليه به شيئين؛ لأن قيمة الشيء يوم قبضه مثلا قيمته الآن، فيبقى للورثة خمسة وسبعون إلا شيئًا تعدل أربعة أشياء، فإذا جبرت.. عدلت الخمسة والسبعون خمسة أشياء، فإذا قسمتها علمت أن الشيء خمسة عشر، وهو ثلاثة أعشار العبد، فيجمع له مع نصفه، فذلك أربعة أخماس العبد بجميع الثمن، ويبقى للورثة خمس العبد وقيمته عشرة، مع الثمن وهو خمسون، فيكون مع الورثة ستون، وهو مثلا قيمة ثلاثة أعشار العبد يوم قبضه المشتري، وهو ثلاثون.
وعلى قول ابن القاص، وابن اللَّبان: يجوز البيع في شيء من العبد، بنصف شيء من الثمن، فالمحاباة نصف شيء، ويبطل البيع في عبد إلا شيئًا، وقيمته خمسون إلا نصف شيء، فيضم إليه نصف شيء ثمنًا، فيكمل خمسين، وذلك يعدل شيئًا، فيعلم: أن الشيء خمسون، وذلك نصف قيمة العبد يوم الشراء، فيصح البيع في نصفه بنصف الثمن، وهو خمسة وعشرون، فيجتمع لورثة البائع نصف العبد وقيمته خمسة وعشرون، ونصف الثمن وهو خمسة وعشرون، فذلك خمسون، وهو مثلا نصف الشيء الذي جازت فيه المحاباة.
ولو نقصت قيمة العبد في يد المشتري بعد موت سيده.. فالجواب كذلك، ولا خيار للمشتري، فإن كان النقص في السعر لا في البدن.. فله الرد.
ولو نقص في يد البائع، فبلغت قيمته خمسين.. نفذ البيع في جميعه على الوجهين؛ لأن ما نقص في يد البائع غير مضمون على المشتري، فكأنه باعه وحاباه ولم يسلم المحاباة، وكذلك لو بلغت قيمته خمسة وسبعين؛ لأن الثلث يحتمل، وللمشتري الخيارُ إذا كان النقص في يد البائع بالبدن، إلا أن ينقص في السعر، فلا خيار له.

.[فرع: باع عبدًا لا يملك سواه وله دين على آخر]

لو باع في مرض موته عبدًا لا مال له غيره، قيمته ستون درهمًا، بعشرة دراهم حاضرة، وللمريض على آخر تسعون درهما دينا:
فعلى ظاهر كلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: للمشتري سدس العبد بالعشرة، وثلثه بالمحاباة، فذلك نصفه، وللورثة نصفه وجميع الثمن، وكلَّما اقتضي من الدين شيء.. ردُّوا قدر ثلث ذلك من العبد على المشتري، حتى يستوفي وصيته.
وعلى قول ابن القاص، وابن اللبان: يأخذ المشتري خمسي العبد بخمسي العشرة، وللورثة ثلاثة أخماس العبد مع خمسي الثمن، وكلما اقتضى من الدين شيء.. ردّوا من العبد بقدر خمسي ذلك، وأخذوا من المشتري قسطه من الثمن، فإذا استوفوا الدين.. ردوا باقي العبد، وهل يردون ما أخذوا من كسبه؟ فيه وجهان، حكاهما ابن اللبان.
أحدهما ـ وهو الأصح ـ: أنهم يردون؛ لأنا نتبين أن الملك كان للمشتري من يوم الشراء، وأن الكسب وقع في ملكه.
والثاني: لا يردون.

.[فرع: اشترى عبدًا بجميع ماله]

إذا اشترى في مرض موته عبدًا يساوي عشرة، بثلاثين درهمًا في يده لا يملك غيرها، ثم مات، ولم يجز الورثة:
فعلى ظاهر كلام الشافعيّ: يلزم البيع في جميع العبد بعشرين من الدراهم، ويرد إلى ورثة المشتري من الثلاثين عشرة مع العبد وقيمته عشرة، وذلك مثلا المحاباة.
وعلى قول ابن القاصّ، وابن اللبان: يصح البيع في نصف العبد وقيمته خمسة بنصف الثمن وهو خمسة عشر، فيحصل للبائع بالمحاباة عشرة، ويجتمع لورثة المشتري نصف العبد، وقيمته خمسة، ويرجع إليهم نصف الثلاثين وهو خمسة عشر، فذلك عشرون، وهو مثلا المحاباة، ويكون للبائع الخيار هاهنا.
وإن كان للمشتري دين تخرج المحاباة به، ولم يجز الورثة:
فعلى ظاهر كلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكون البائع بالخيار: إن شاء.. سلم العبد وردّ من الثمن عشرة، وإن شاء.. فسخ البيع. قال ابن سريج: فإن اختار فسخ البيع، ففسخ، ثم اقتضى الدين بعد ذلك.. فلا شيء للبائع. وإن لم يفسخ، ولكن رد العشرة، ثم اقتضى الدين.. رد عليه الورثة العشرة؛ لأنه إذا فسخ.. فكأنه لم يحصل له جميع الثمن، فكان في معنى من اختار فسخ البيع لعيب وجده، فلمّا فسخ.. زال العيب، فإذا لم يفسخ.. كان في معنى من أوصى له بوصية، فخرج يعضها من الثلث، ثم ظهر مالٌ، يخرج جميعها من الثلث.
وأمّا على قول ابن القاصّ، وابن اللبان: فيصح البيع في نصف العبد بنصف الثمن، وللورثة نصف العبد ونصف الثلاثين، فإن اقتضى الورثة الدين.. ردّوا نصف الثمن، واسترجعوا نصف العبد.

.[فرع: باع جارية بثلث قيمتها فوطئها المشتري]

وإن باع في مرض موته جارية بعشرة، وقيمتها ثلاثون، ولا مال له غيرها، فوطئها المشتري، ثم مات المريض، ولم يجز الورثة، واختار المشتري الفسخ.. رد الجارية، ولا مهر عليها.
وكذلك: إن اختار المشتري إنفاذ البيع.. فإن البيع يصح في ثلثيها في أحد الوجهين، وفي نصفها في الآخر، ولا شيء على المشتري من المهر لما انتقص فيه
البيعُ؛ لأنه وطئها وهي في ملكه، وإنما نقص البيع في بعضها؛ لمعنى طرأ بعد أن ملكها، فهو كما لو اشترى جارية فوطئها، ثم وجد بها عيبًا فردّها.. فإنه لا مهر عليه.
وكذلك: لو اشترى المريض في مرض موته جارية قيمتها عشرة دراهم بثلاثين درهمًا بيده، لا يملك غيرها، فوطئها المشتري، ثم مات.. فلا يجب عليه مهر ما انتقص فيه البيع؛ لأنه وطئها في ملكه.

.[فرع: تغير قيمة العبد قبل موت المشتري المريض]

وإن اشترى في مرض موته عبدًا، قيمته عشرة، بثلاثين بيده لا يملك غيرها، فبلغت قيمة العبد قبل موت المشتري عشرين.. فقد وقعت المحاباة بعشرين، فاجعل التركة ثلاثين مع العشرة الزائدة، فيكون ثلثها ثلاثة عشر وثلثا، فيكون للبائع الخيار: بين أن يجيز البيع ويرد ما زاد على الثلث وهو ستة وثلثان، وبين أن يفسخ البيع ويأخذ العبد بزيادته. وهذا على ظاهر كلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وعلى قول ابن القاص، وابن اللّبان: يجوز البيع في شيء من العبد، بثلاثة أشياء من الثمن، فتكون المحاباة بشيئين، ويبقى مع الورثة ثلاثون درهمًا إلا ثلاثة أشياء، يضم إليه الشيء المشترى من العبد وقيمته شيئان، فتصير ثلاثين إلا شيئًا تعدل أربعة أشياء. فإذا جبرت.. عدلت خمسة أشياء، الشيء ستةٌ، وهو ثلاثة أخماس العبد يوم الشراء وهو الجائز بالبيع، وقيمته يوم مات المشتري اثنا عشر، بثلاثة أخماس الثمن، وهو ثمانية عشر، فقيمة ما خرج من البائع يوم الشراء ستة بثمانية عشر من الثلاثين، فحصلت المحاباة له باثني عشر، لكن قد صح ما زاد فيه البيع من العبد قبل موت المشتري، فبلغ اثني عشر، وبقي مع ورثته من الثلاثين اثنا عشر، فيجتمع لهم أربعةٌ وعشرون، وذلك مثلا المحاباة.
فإن لم تزد قيمة العبد، ولكن نقصت، فبلغت خمسة في يد المريض.. ضمن المريض للبائع ما نقص في يده مما يفسخ فيه البيع؛ لأنه قبضه على بيع. وحسابه أن يقال: يجوز البيع في شيء من العبد، بثلاثة أشياء من الثمن، فيبقى مع الورثة ثلاثون درهمًا إلا ثلاثة أشياء، ويبطل البيع في عبدٍ إلا شيئًا، وقيمته خمسة إلا نصف شيء، ويبقى خمسة وعشرون إلاّ شيئين، فأخرج النقصان من التركة، وهو خمسة إلا نصف شيء، فيبقى خمسة وعشرون إلا شيئين ونصفا، فضمّه إلى الشيء المشترى وقيمته نصف شيء، فيصير خمسة وعشرين ونصفا إلا شيئين تعدل أربعة أشياء، فإذا جبرت.. عدلت ستة أشياء، الشيء سدس الخمسة والعشرين، وذلك ربع العبد وسدسه يوم الشراء، وهو خمسة أجزاء من اثني عشر جزءًا من العبد، وهو الجائز في البيع، بخمسة عشر جزءًا من الدراهم، فالمحاباة عشرةٌ، فاجعل كل عشرة دراهم اثني عشر جزءًا، فيكون ستّة وثلاثين جزءًا، فثمن الشيء منها خمسة عشر جزءًا يبقى إحدى وعشرون جزءًا، وقد بطل البيع في سبعة أجزاء من العبد، وقد نقصت قيمة ذلك فصار يساوي ثلاثة أجزاء ونصفًا، فأخرج ما نقص من الواحد والعشرين، فيبقى من الدراهم سبعة عشر جزءًا ونصف جزء، فضمه إلى الشيء المشترى وهو خمسة، وقيمة ذلك جزءان ونصف، فذلك عشرون، وهو مثلا المحاباة. وبالله التوفيق